يمثل قصر الحصن رمزاً لنشأة العاصمة أبوظبي ، وهو أول مبنى يتم تشييده في الإمارة، ليصبح بعد ذلك مقراً لإقامة أجيال متعاقبة من أسرة آل نهيان الحاكمة.
في القرن الثامن عشر، اكتشف شيخ قبيلة بني ياس الشيخ ذياب بن عيسى مياه عذبة في جزيرة أبوظبي، الأمر الذي دفعه لتشييد برجاً للمراقبة لحمايتها.
ومع اكتمال بناء برج المراقبة، ازداد عدد السكان الذين أهلوا المنطقة، كما انتقلت قبيلة بني ياس إلى منطقة الساحل، وقرر الشيخ شخبوط بن ذياب تحويل برج المراقبة إلى حصن منيع.
بني الحصن من الأحجار البحرية والمرجانية، وغطيت جدرانه بخليط مصنوع من الكلس والرمال المحلية والأصداف البحرية المطحونة. وبفضل ميزة انعكاس الإضاءة التي تتميز بها الأصداف، فقد كانت جدران الحصن تتلألأ تحت أشعة الشمس ليصبح علامة شاطئية مميزة ترحب بالتجار القادمين من مختلف أنحاء المنطقة. وقد اختير خشب أشجار القرم (المانغروف) لتغطية الأرضيات وبناء السقوف لما يتمتع به من صلابة وقدرة على التحمل .
وفي بداية القرن التاسع عشر، قام الشيخ طحنون بن شخبوط بتوسيع الحصن، لتتحول القرية الصغيرة التي تكونت من عدد قليل من الأكواخ المصنوعة من سعف النخيل إلى بلدة كبيرة يقطنها أكثر من خمسة آلاف شخص. ليأتي بعد ذلك الشيخ سعيد بن طحنون ليتولى تنفيذ توسعة أخرى إلى الحصن وإضافة مزيد من التحسينات والتطويرات في خمسينيات القرن التاسع عشر.
بعد فترة من المشقة والصعوبات أثناء تراجع تجارة اللؤلؤ، شهد قصر الحصن توسعاً خلال عمليات التنقيب واكتشاف النفط بين 1939 و1950. فاستخدم الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان عائدات النفط في بناء قصر محيط بالحصن الأساسي.
وفي الثمانينيات، قرر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، أن يتم إجراء أعمال تجديد شاملة على مبنى قصر الحصن، ليحوله بذلك من مقر إقامة للأسرة الحاكمة إلى متحف ومعرض للكثير من القطع والمجموعات الأثرية التي ترتبط بتاريخ أبوظبي ومنطقة الخليج.
وفي الوقت الحالي، يمر قصر الحصن بمرحلة جديدة، ففقي وقت سابق من العقد الحالي، اكتُشف أن الطبقة البيضاء التي تغطي جدرانه تتسبب في احتباس الرطوبة داخل الأحجار المرجانية والبحرية الأصلية مما يؤدي إلى تآكلها وتلفها.
وعليه، فقد تم إطلاق مشروع ترميم يسعى إلى إزالة هذه الطبقة والكشف عن الأحجار الأصلية للسماح للمبنى بالتنفس.
كان الشيخ ذياب بن عيسى، شيخ قبيلة بني ياس في واحة ليوا. وكانت القبيلة تتجه في رحلات منتظمة إلى البحر بهدف الصيد، وعندما اكتشفت مصادر المياه العذبة في جزيرة أبوظبي، رأى الشيخ ذياب مدى أهمية توفير الحماية لهذه المنطقة. لذلك قرر بناء برج مراقبة لحماية هذه المصادر من الدخلاء، وبدأ السكان بالحضور للإقامة في هذه المنطقة حول برج المراقبة، ومن هنا نشأت أبوظبي!
لم تكن مصادر المياه العذبة التي تم اكتشفها في أبوظبي مجرد بئر واحد، بل كانت سلسلة من الفتحات والتجاويف التي احتوت على المياه على مسافة قريبة من السطح.
تحول المبنى إلى الهيئة التي يبدو عليها اليوم خلال فترة حكم الشيخ شخبوط بن ذياب حاكم أبوظبي (1793م – 1816م) وقد شهد المبنى تشييد برجين آخرين بالإضافة إلى جدار يصل بينها ليتحول في النهاية إلى هذا الصرح المنيع . وفي هذه الفترة، نقل الشيخ شخبوط مقر الحكم من ليوا إلى جزيرة أبوظبي واستخدم الحصن ليكون مقر الحكومة والقيادة العسكرية ومكان الإقامة الخاص به.
ووفقاً للمعلومات التاريخية المتناقلة شفهياً عبر الأجيال، فقد أجرى الشيخ سعيد بن طحنون حاكم أبوظبي (1845-1855) أعمال توسعة وتطوير إضافية داخل الحصن عام 1850.
كان قصر الحصن يعرف سابقاً بـ"حصن أبوظبي"، وكان بمثابة حصن وقصر ومقر للإدارة، حيث كان الحصن مرتبطاً بشكل مباشر بأحقية الحكم.
كانت الفترة الطويلة التي أمضاها الشيخ زايد بن خليفة رحمه الله، والذي عرف أيضاً باسم زايد الأول أو زايد الكبير، في الحكم فترة سلام واستقرار بالنسبة لأبوظبي. وخلال حكمه الذي استمر من 1855 إلى 1909, بداية نشأة المجتمع الذي كان قصر الحصن مركزه الرئيسي، والذي شهد استقطاب السكان وتطور المنطقة واتساعها.
كانت فترة حكم الشيخ زايد الكبير رحمه الله الأطول في تاريخ إمارة أبوظبي.
كانت حقبة الثلاثينيات من القرن العشرين فترة مليئة بالتحديات بالنسبة لأبوظبي نظرا للتراجع الذي لحق بتجارة اللؤلؤ، وأيضاً نظراً لتوابع الكساد العالمي في ذلك الحين. وفي عام 1939م اتفق الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان (1928م – 1966م) مع البريطانيين بشأن امتيازات التنقيب عن النفط، وتلقى 300,000 روبية كدفعة أولى، واستخدم تلك الأموال في بناء قصر أيقوني أحاط بالقلعة الأصلية.
في بدايات خمسينيات القرن العشرين، وكجزء من أعمال التجديد التي خضع لها الحصن، قام الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان بإضافة الأقواس المزخرفة في القسم الخارجي من قصر الحصن.
قام المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة ورئيسها الأول، والذي استمرت فترة حكمه من 1966 إلى 2004، بتحويل المبنى إلى القصر بصورته التي نعرفها اليوم. وخلال فترة حكمه، تم تجديد عدة مباني داخل الحصن. فبعد أن تولى الشيخ زايد الحكم في إمارة أبوظبي في 1966، تم تحويل أحد المنازل ليصبح مكتبه الخاص، فيما استخدم منزل آخر كمقر لمركز الوثائق والبحوث الذي أُنشأ في 1968، والمعروف اليوم بالمركز الوطني للوثائق والبحوث.
وبعد اكتمال أعمال الترميم الأخيرة التي جرت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، شغل المركز الوطني للوثائق والبحوث كل الغرف والأقسام التي يتكون منها قصر الحصن. ولم يستمر استخدام المبنى بعد ذلك كمقر إقامة للحكام، بل تحول إلى متحف ومعرض لمجموعات أثرية مرتبطة بأبوظبي ومنطقة الخليج العربي.
أمر الشيخ زايد ببناء مقر المجلس الاستشاري الوطني خارج جدران القصر. وقد شهد هذا المقر انعقاد الاجتماعات التي ناقشت اتحاد الدولة عام 1971.
تبين خلال العقد الماضي أن الطبقة البيضاء التي تغطي جدران قصر الحصن تسبب احتباس الرطوبة على سطوح الأحجار المرجانية والبحرية الأصلية وتساهم في تآكلها وتلفها. لذلك يجري في الوقت الحالي تنفيذ مشروع ترميم هائل يسعى إلى الكشف عن الأحجار المرجانية وتعريضها للهواء من جديد. وستتوفر فرصة للاطلاع عن كثب على أعمال الترميم الجارية عندما تفتح أبواب الحصن أمام الزائرين خلال فعاليات مهرجان قصر الحصن، والذي يستمر لمدة عشرة أيام، ويقام احتفاءً بالثقافة والتقاليد في الإمارات.
يسعى فريق الترميم إلى إعادة استخدام نظام البرجيل التقليدي للتهوية، والذي يعد من أقدم الأساليب المتبعة في التكييف والتبريد، حيث تتوجه النسائم البحرية عبر سلسلة من الأقواس المتراجعة والتي بنيت في الجدران عن طريق ممرات ضيقة إلى داخل الغرف.
مهرجان قصر الحصن احتفال سنوي يقام على أرض قصر الحصن ويحتفل بتاريخ القصر وبقرون من الثقافة الإماراتية وتقاليدها. يهدف المهرجان بشكل رئيس إلى تعزيز مكانة الهوية الإماراتية والقيم والتي يمثلها تراث الإمارات وتعريف المجتمع أيضاً بأعمال الترميم الجارية على المبنى العريق. ويضم المهرجان مجموعة واسعة من المعارض وورش العمل والفعاليات التاريخية والثقافية لتعريف مجتمع دولة الإمارات وزوارها على تراث الإمارات بشقيه الثقافي والفكري، حيث يعمل القصر في سياق تاريخه العريق على تثبيت مكانته كجزء أساسي ضمن الحياة الثقافية الحديثة في أبوظبي. يقام المهرجان من 11 وحتى 21 فبراير 2015.