الحناء

الحناء شجرة ذات رائحة زكية كانت تملأ الكثير من حدائق البيوت القديمة، وهي نبتة معروفة منذ أزمان قديمة، وقد ذكرت الحناء في التوراة، وهي من أقدم الكتب، وكان يطلق عليها (أمتي فير). كما جاء ذكرها في كتب الإغريق وكانت تُسمى (فيفرس)، وقد عثر على مؤلفات يونانية، كان الطب اليوناني يستعملها كعلاج لمختلف الأمراض.

لعل من أقدم الإشارات التاريخية عن الحناء ما يرتبط بالمصريين القدماء، فقد وُجدت الحناء في مقابر العصر الفرعوني المتأخر والعصر البطلمي، مما يدل على أن قدماء المصريين عرفوا هذا النبات واستعملوه في التحنيط والتقطير. وهناك إشارات واضحة إلى أن مومياوات مصر كثيراً ما خضبن أظفار أصابعهنّ وأكفهنّ وأقدامهنّ بالحناء، وبعض المومياوات وُجِدَ أن شعورهنّ صُبغت باللون الأحمر أيضاً.

واستخدمت نبتة الحناء في الجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث كانت نبتة الحناء من أبرز السلع والمعروضات التجارية التي عرضتها الأسواق العربية القديمة، كسوق عكاظ الذي يعتبر من أهم أسواق العرب القديمة، وذلك في الجمع بين المعرض التجاري والمنتدى الاجتماعي. ومثلما عرض فيه تجار اليمن والخليج وعُمان بضائعهم. فقد عرض فيه تجار الشام الحناء التي كانوا يجلبونها من عسقلان. وهذا دليل على الأهمية الكبيرة التي وصلت إليها الحناء في المجتمع العربي في فترة ما قبل الإسلام.

ونشير هنا إلى قابس التي عرفت الحناء واشتهرت بها أيضاً عن طريق القوافل البرية للتجار والفاتحين. وفي مقدمة هؤلاء العرب الفاتحون الذين جاؤوا لنشر الدين الإسلامي الحنيف في هذه الربوع، فجلبوا معهم بضائع ونباتات وعادات وثقافات وتقاليد شرقية نشروها في المجتمع الإسلامي الجديد الذي أنشؤوه بأفريقيا. كما أنهم نقلوا من هناك أيضاً بضائع ونباتات وثقافات جديدة إلى البلاد العربية ومختلف الجهات التي دخلت تحت راية الإسلام.

واستُخدِمت الحناء في العصور الإسلامية اللاحقة، سواء في العصر الأموي أم العباسي، ونستدل على ذلك من خلال عرض أشهر القصص التي تُروى عن الحناء، قصة (قطر الندى) أسماء ابنة السلطان خمارويه بن أحمد بن طولون أحد ملوك مصر، وهي من شهيرات النساء عقلاً وجمالاً وأدباً. تزوجها الخليفة المعتضد العباسي سنة 281هـ وجهزها بجهاز لم يُقام مثله. فقد نفذ في عرسها كل ما كان في مخازن التجار من أطنان الحناء التي ظلت توزع وتُباع طيلة أربعين ليلة على كل عذراء في مدينة القطائع حتى انتشرت الأغنية المشهورة بعد ذلك التي تقول:

الحنه يالحنه يا قطر الندى        يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوى

أما في العصر الحديث فقد ظهرت أهمية الحناء جلياً في مصر، فعندما غزا نابليون بونابرت مصر اكتشف اثنان من أطبائه أن الحناء لها تأثير قوي في الصباغة، فاستحضروا مادة لصباغة الصوف وبعض الأنسجة وما زالت هذه المادة تُستعمل في الصباغة حتى وقتنا الحاضر.

أما في المنطقة الخليجية فتعد نقوش الحناء من أهم الفنون الشعبية المتوارثة فيها باعتبارها من مواد الزينة والتجميل الطبيعية المفضلة لدى نساء المجتمع الخليجي عامة في المناسبات السعيدة كالأفراح والأعياد وغيرها؛ ولهذا فإننا نجد أن نبتة الحناء قد انتشرت زراعتها في المنطقة الخليجية بشكل كبير، خاصة أن كثيراً من الأدبيات يشير إلى "أن الجزيرة العربية هي مهد نبتة الحناء،"وهي بأرض العرب كثيراً".

ولكن نبتة الحناء في أحيان كثيرة يتم إحضارها إلى المنطقة عن طريق التجار الذين يأتون من الهند واليمن وعُمان والسودان ويُباع إلى السكان على شكل بودرة مطحونة. أما في الإمارات فتُعد الحناء من أهم المظاهر الفنية في تراث الإمارات القديم والذي ليس إلا امتداد لماضيها العريق في هذا الجانب. ليس فقط وإنما تعد جزءاً مهماً من عادات وتقاليد المجتمع في إمارة أبوظبي، خاصة في الأعراس والأعياد والمناسبات السعيدة. وتؤكد إحدى الروايات "أن شجرة الحناء غير موجودة أصلاً في الإمارات وإنما كان يتم إحضارها من الخارج". وتؤكد رواية أخرى "أن الحناء كانت موجودة منذ القدم وتزرع في العين والبريمي". وهناك من يقول: "أن التجار يأتون بالحناء من الهند، ومن ثم قام أهل الواحات بزراعة شجرة الحناء لديهم. وكنا نحن البدو نأتي بها من عندهم".

من خلال ذلك نستدل على أن الحناء كانت تُستخدم لدى سكان إمارة أبوظبي منذ فترة قديمة، سواء سكان الواحات أم البدو المتنقلين. وكانت نبتة الحناء في الأصل يتم إحضارها من عُمان والهند واليمن والإحساء على شكل "حناء مطحون"، ثم بعد ذلك تمت زراعة نبتة الحناء في مناطق الواحات في إمارة أبوظبي، ثم انتشرت زراعتها في مختلف مناطق وأنحاء الإمارة، وأصبحت تُزرع الآن في أغلب المساكن والبيوت في بلدات ومدن الإمارة.